فصل: (كِتَابُ الدَّعْوَى):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(كِتَابُ الدَّعْوَى):

جَمْعُهَا دَعَاوَى وَالدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ لَا حُجَّةَ لِمُدَّعِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ حُجَّةٌ يُسَمَّى مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُسَيْلِمَةَ مُدَّعٍ لِلنُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ مَعَهُ وَلَا يُقَالُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّعٍ لِلنُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ وَكَذَا الْحَاكِمُ إذَا قَامَتْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ لَا يُقَالُ لِلطَّالِبِ أَنَّهُ مُدَّعٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ إقَامَتِهَا وَيُقَالُ: كُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ أَنَّ مَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ أَنَّ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ أَنَّ مَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُقِرٌّ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا تَرَكَهَا) وَيُقَالُ الْمُدَّعِي هُوَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ ادَّعَى ظَاهِرًا وَقَرَّرَ الشَّيْءَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى الْمُنْكِرُ قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يُذَاكِرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ) فَجِنْسُهُ أَنْ يَقُولَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَقَدْرُهُ أَنْ يَقُولَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ كَانَ مَجْهُولًا وَالْمَجْهُولُ لَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ نَكَلَ الْخَصْمُ فِيهِ عَنْ الْيَمِينِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى) وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ حَتَّى يَقُولَ الشَّاهِدُ: إنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ حَقُّهُ وَكَذَا فِي الِاسْتِحْلَافِ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا) لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَقَدْ تَتَعَذَّرُ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى عَقَارًا حَدَّدَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ وَبِالْمُطَالَبَةِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَيَذْكُرُ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْحُدُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ حُدُودٍ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ لِيُعْرَفَ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا قَضَى عَلَيْهِ بِهَا) فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَهُوَ مُنْكِرٌ عِنْدَهُمَا فَيُسْتَحْلَفُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمُنْكِرٍ فَلَا يُسْتَحْلَفُ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ فَيَقْضِيَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْكِرَ فَيُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُنْكِرِ صَرِيحًا قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُنْكِرُ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْضَرَهَا قَضَى بِهَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينُ خَصْمِهِ اُسْتُحْلِفَ عَلَيْهَا) وَلَا يَسْتَحْلِفُهُ إلَّا بِمُطَالَبَتِهِ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ تَأْخِيرَ الْيَمِينِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْبَيِّنَةِ فَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَلِذَلِكَ وَقَفَتْ الْيَمِينُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ ثُمَّ إذَا قَطَعَ الْقَاضِي الْخُصُومَةَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَتْ فَإِذَا قُبِلَتْ هَلْ يَظْهَرُ كَذِبُهُ أَمْ لَا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمَالَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ بِالْبَيِّنَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ الْإِبْرَاءَ وَفِي الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ أَلْفًا قَبْلَ الْيَمِينِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ لَا يَحْنَثُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ الْإِبْرَاءَ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ يَحْنَثُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْتَحْلَفُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يُسْتَحْلَفُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ فَحَلَّفَهُ فَإِنْ حَلَفَ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ حَلَّفَهُ إجْمَاعًا فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَتَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي عَلَى دَعْوَايَ فَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ ذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: لَا تُقْبَلُ وَفِي شَرْحِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي وَكُلُّ بَيِّنَةٍ لِي فَهِيَ زُورٌ بُهْتَانٌ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِبَيِّنَتِهِ بِإِقْرَارِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُمَا يَقُولَانِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ تَكُونَ لَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَقَرَّ عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُدَّعِي ثُمَّ عَلِمَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ مَا سَبَقَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ (لَا يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَدُّ لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) الْمُطْلَقُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْته أَوْ وَرِثْته لَا يَكُونُ دَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْضِي بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ فَيَقْوَى الظُّهُورُ وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لَا تُفِيدُنَا أَكْثَرُ مِمَّا تُفِيدُنَا يَدُهُ فَلَا مَعْنَى لِسَمَاعِهَا وَلِأَنَّ يَدَهُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى الْمِلْكِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا وَإِظْهَارًا قَوْلُهُ (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَزِمَهُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بَلْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَفَ قَضَى عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ النُّكُولُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ وَحُكْمًا بِأَنْ يَسْكُتَ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَسَ وَلَا أَصَمَّ ثُمَّ النُّكُولُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَذْلِ وَعِنْدَهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ النُّكُولَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْوَكِيلِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَصِحُّ بَذْلُهُمْ فَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَلَهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ بَرِيئًا فِي الظَّاهِرِ مِنْ الدَّعْوَى جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ إسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ وَبَدَلِهِ فَلَمَّا اخْتَارَ إحْدَاهُمَا كَانَ بَاذِلًا لِمَا اخْتَارَهُ وَلِأَنَّ الْوَاهِبَ لَمَّا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَهَبَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَهَبَ فَإِذَا وَهَبَ كَانَ بَاذِلًا لِمَا وَهَبَ وَلَا كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثًا فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ فَإِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الْعَرْضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) هَذَا احْتِيَاطٌ فَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً وَاحِدَةً جَازَ وَصُورَةُ الْعَرْضِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْمَالُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى يَقُولُ لَهُ: بَقِيَتْ الثَّالِثَةُ فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ قَضَيْت عَلَيْك بِالنُّكُولِ فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ قَالُوا: فَإِذَا حَلَفَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ قَضَى بِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى نِكَاحًا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْلِ وَالنِّكَاحُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهُ وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ فَلِهَذَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِيهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِلْقَاضِي: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لِأَنَّ هَذَا زَوْجِي وَقَدْ أَنْكَرَ النِّكَاحَ فَلْيُطَلِّقْنِي لِأَتَزَوَّجَ وَالزَّوْجُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّهُ بِالطَّلَاقِ يَصِيرُ مُقِرًّا بِالنِّكَاحِ فَمَاذَا يَصْنَعُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ: قُلْ لَهَا إنْ كُنْت امْرَأَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا النِّكَاحَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْحُدُودِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَذْلِ عِنْدَهُ وَهَذَا الْأَشْيَاءُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا قَالَ لَهَا: بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ رَدَدْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا.
وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ هِيَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ وَصُورَةُ الرَّجْعَةِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ ادَّعَى هُوَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَصُورَةُ الْفَيْءِ ادَّعَى الْمَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ هِيَ ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصُورَةُ الرِّقِّ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ أَنَّهُ مَوْلَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ: أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى أَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا قَدْ مَاتَ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَأَمَّا الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا فِي الِاسْتِيلَادِ خَاصَّةً وَصُورَةُ الْوَلَاءِ ادَّعَى مَجْهُولٌ عَلَى مَعْرُوفٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ ادَّعَى الْمَعْرُوفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَصُورَتُهُ فِي النَّسَبِ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ بِأَنْ قَالَ: هَذَا ابْنِي وَهُوَ يُنْكِرُ أَوْ يَدَّعِي هُوَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحُدُودُ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا إلَّا فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ وَصُورَتُهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ وَكَذَا اللِّعَانُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحُدُودِ وَصُورَتُهُ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَالَ أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ وَجَبَ الِاسْتِحْلَافُ بِأَنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى كَذَا وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَزِمَهُ نِصْفُ مَهْرِهَا فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا قَصَدَ الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ كَذَا فِي الْمُصَفَّى.
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُمَا إقْرَارٌ وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَأَمَّا دَعْوَى الْقِصَاصِ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَحْلَفَ فِي الْقَسَامَةِ فَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَامْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ مُسْتَعْظَمَةٌ فَلَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِالنُّكُولِ يَعْنِي إذَا حَلَفَ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ إذَا نَكَلَ وَقَالَ زُفَرُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ إنْ حَلَفَ فِيهَا بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ يُقْتَصُّ بِالنُّكُولِ فِي الْأَطْرَافِ وَفِي النُّفُوسِ الْحُكْمُ بِالْخِلَافِ يُحْبَسُ كَيْ يُقِرَّ أَوْ كَيْ يَقْسِمَا وَبِالنُّكُولِ الْمَالُ قَالَا فِيهِمَا قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا ادَّعَيَا ذَلِكَ مِلْكًا مُطْلَقًا وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا أَوْ كَانَ تَارِيخُهُمَا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ تَارِيخًا فَهِيَ لَهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا عِبْرَةَ لِلْوَقْتِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ التَّارِيخِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْضَى بِهَا لِلَّذِي لَمْ يُؤَرِّخْ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قَضَى بِهَا لِلْخَارِجِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَا تَارِيخًا تَارِيخُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى مِنْ الْخَارِجِ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْضَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ قَوْلُهُ (وَرَجَعَ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ لِأَحَدِهِمَا) فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْ أَحَدًا مِنْهُمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا فَإِنْ دَخَلَا بِهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ فَإِنْ مَاتَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ مِيرَاثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: هُوَ الْأَوَّلُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَصَاحِبُهَا أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ) (ادَّعَى اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ) مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ (وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ) (فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاقِدٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ نِصْفُهَا وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْبَاقِي فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَا فَأَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ التَّارِيخِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ إذَا أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا أَخْتَارُ) أَيْ لَا أَخْتَارُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ (لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ) هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَمَّا إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا التَّرْكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَوْلُهُ (وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الثَّانِي الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى) مَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ فَإِنْ ذَكَرَ صَاحِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ قَبْلَ شِرَاءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا) مَعْنَاهُ مِنْ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ اثْنَيْنِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ وَيَتَنَصَّفُ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَالشِّرَاءُ أَوْلَى) لِأَنَّا إذَا لَمْ نَعْلَمْ تَارِيخَهُمَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الْعَقْدَيْنِ مَعًا وَإِذَا حَكَمْنَا بِهِمَا مَعًا قُلْنَا: عَقْدُ الشِّرَاءِ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَعَقْدُ الْهِبَةِ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَبْضِ فَسَبَقَ الْمِلْكُ فِي الْبَيْعِ الْمِلْكَ فِي الْهِبَةِ فَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ فَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ: الشِّرَاءُ أَوْلَى مِنْ النِّكَاحِ وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ تَصْحِيحَ الْبَيِّنَتَانِ مَا أَمْكَنَ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا هُنَا بِأَنْ يُقَالَ: النِّكَاحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ عِوَضٍ فِي صِحَّتِهِ وَالْبَيْعُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْعِوَضِ فِي صِحَّتِهِ فَصَارَ عَقْدُ الْبَيْعِ مُنْعَقِدًا عَلَى الْمُسَمَّى وَالنِّكَاحُ مُنْعَقِدًا عَلَى غَيْرِ الْمُسَمَّى وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَائِمٌ وَهُوَ النِّكَاحُ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ يَتَسَاوَيَانِ فِي وُقُوعِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالْبَيْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ مِنْ الزَّوْجِ نِصْفَ الْقِيمَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا فَالرَّهْنُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ) يَعْنِي بِغَيْرِ عِوَضٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً وَالْبَيْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ وَقَوْلُهُ فَالرَّهْنُ أَوْلَى هَذَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُمَا مِنْ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَا مِنْ اثْنَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَبْعَدِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَابَّةً أَوْ أَمَةً فَوَافَقَ سِنُّهَا أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ سِنَّ الدَّابَّةِ مُكَذِّبٌ لِأَحَدِهِمَا فَكَانَ مَنْ صَدَّقَهُ أَوْلَى قَوْلُهُ (فَإِنْ) (ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ (وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ) (فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا فَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعَيْهِمَا فَيَصِيرَا كَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَقَوْلُهُ وَذَكَرَا تَارِيخًا فَهُمَا سَوَاءٌ يَعْنِي تَارِيخًا وَاحِدًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ فَهُمَا سَوَاءٌ وَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا حَكَمَ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءٌ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَانَ أَوْلَى) هَذَا عِنْدَهُمْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَكَأَنَّهُمَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَصَاحِبُ الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَيِّنَةً بِالنِّتَاجِ فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ عِنْدَ ابْنِ أَبَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ النَّسْجُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) كَغَزْلِ الْقُطْنِ (وَكُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ) كَالْأَوَانِي إذَا كُسِرَتْ لَا تَعُودُ وَأَمَّا الَّتِي تَتَكَرَّرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ مِنْ الشَّعْرِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَإِنْ أَشْكَلَ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَكُلُّ مَا يُصْنَعُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالزُّجَاجِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ وَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ النِّتَاجِ وَإِنْ كَانَ حُلِيًّا قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْحُلِيَّ يُصَاغُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَصَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى إنْ كَانَتْ أَثْبَتَتْ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَهَذَا تَلْقَى مِنْهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ) أَيْ تَسَاقَطَتَا وَبَطَلَتَا وَتُرِكَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: اقْضِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَاجْعَلْ الْخَارِجَ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ آخِرًا فَيَكُونُ لَهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَرْبَعَةِ كَشَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَ اُسْتُحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا) لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ وَيَثْبُتُ بِهِ الْأَرْشُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قِيلَ: لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا أُمِرَ بِمُلَازَمَتِهِ) كَيْ لَا يَذْهَبَ حَقُّهُ وَقَوْلُهُ حَاضِرَةٌ أَيْ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَامِلِ وَالْوَجِيهِ وَالْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: يُؤْمَرُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمُلَازَمَةِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ أَسْقَطَ الْمُلَازَمَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَقِيَتْ الْمُلَازَمَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا عَلَى الطَّرِيقِ فَيُلَازِمُهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَكَذَا لَا يَكْفُلُ إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ فِي الْمُلَازَمَةِ وَأَخْذِ الْكَفِيلِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةَ ضَرَرٍ بِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ وَقَوْلُهُ بِمُلَازَمَتِهِ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِمُلَازَمَةِ الْمَنْعِ مِنْ الذَّهَابِ لَكِنْ يَذْهَبُ الطَّالِبُ مَعَهُ وَيَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ فَإِذَا انْتَهَى إلَى بَابِ دَارِهِ وَأَرَادَ الدُّخُولَ يَسْتَأْذِنُهُ الطَّالِبُ فِي الدُّخُولِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ دَخَلَ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ يَحْبِسُهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ ثُمَّ إذَا لَازَمَ الْمُدَّعِي غَرِيمَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ بِغُلَامِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُلَازِمُهُ بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْته مِنْهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي) وَكَذَا إذَا قَالَ أَعَارَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ وَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ إلَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُ مَالَ إنْسَانٍ وَيَدْفَعُهُ فِي السِّرِّ إلَى مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُودِعَهُ إيَّاهُ عَلَانِيَةً وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودَ حَتَّى إذَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ يُقِيمُ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مُودَعُ فُلَانٍ الْغَائِبِ لِيَدْفَعَ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ عَدْلًا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ يَدَّعِي الْفِعْلَ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا إذَا قَالَ: غَصَبْت مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ أَوْ سَرَقْته فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَدْفَعُ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ انْدَفَعَتْ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصِيمٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: سُرِقَ مِنِّي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ) هَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَإِقَامَةً لِحِسْبَةِ السَّتْرِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: سَرَقْت بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ) أَيْ مِنْ زَيْدٍ (وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ) (سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ وُصُولُهَا إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهَا قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» قَوْلُهُ (وَيُؤَكَّدُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) يَعْنِي بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ مِثْلُ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحِيمُ الرَّحْمَنُ مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَأَمَّا بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ كَانَ أَيْمَانًا ثَلَاثًا وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ وَقِيلَ: لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ: يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ) وَقِيلَ: فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ نَكَلَ لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: الشَّاهِدُ كَاذِبٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يُحَلِّفُهُ وَكَذَا لَا يَحْلِفُ الشَّاهِدُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَلَيْسَ مِنْ إكْرَامِهِمْ اسْتِحْلَافُهُمْ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَاصَّةً وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعْظِيمًا لَهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ مُعَظَّمَةٌ وَيُسْتَحْلَفُ الْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْوَثَنَ قَوْلُهُ (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَحْضُرَهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَجَحَدَهُ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت) لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاعُ الشَّيْءُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهِ أَوْ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحْلَفُ فِي الْغَصْبِ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك رَدَّ هَذِهِ الْعَيْنِ وَلَا رَدَّ قِيمَتَهَا وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَصَبَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَكَذَا دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ لَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا أَوْدَعَك وَلَا أَعَارَك وَلَكِنْ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك رَدَّ هَذِهِ الْعَيْنِ وَلَا رَدَّ قِيمَتِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقِيمَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِتَعَدٍّ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي النِّكَاحِ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَسْتَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ وَإِنَّمَا اُسْتُحْلِفَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ خَالَعَهَا فَإِذَا حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ يَقُولُ: فَرَّقْت بَيْنَكُمَا كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ امْرَأَتُك فَهِيَ طَالِقٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ التَّرْكِ وَقَضَاءِ الْإِلْزَامِ أَنَّ فِي قَضَاءِ الْإِلْزَامِ إذَا ادَّعَى ثَالِثٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ التَّرْكِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِدُونِ التَّلَقِّي مِنْهُ فَإِذَا حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ يَقُولُ: فَرَّقْت بَيْنَكُمَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ امْرَأَتَك فَهِيَ طَالِقٌ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: نَعَمْ وَالْحِيلَةُ فِي دَفْعِ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فَإِنْ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ لَا تُسْتَحْلَفُ لِلْمُدَّعِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَيْضًا لِأَنَّ إنْكَارَهَا لِلنِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ النُّشُوزِ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتُهَا) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبُعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْجَمِيعِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَانْفَرَدَ بِهِ صَاحِبُ الْجَمِيعِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ يَدَّعِي سَهْمَيْنِ وَصَاحِبَ النِّصْفِ يَدَّعِي سَهْمًا فَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَدَّعِيهِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا سَلِمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ نِصْفُهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِ شَرِيكِهِ (وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَمَعْنَاهُ قَضَاءُ تَرْكٍ لَا قَضَاءُ إلْزَامٍ وَقِيلَ: قَضَاءُ إلْزَامٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا فَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْجَمِيعِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقُبِلَتْ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ النِّصْفِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ إذْ النِّصْفُ فِي يَدِهِ حَكَمْنَا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ فِي يَدِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ يَأْخُذُ نِصْفَهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالنِّصْفُ الثَّانِي يُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَى مُدَّعِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ وَيَدَّعِي أَنَّ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ نَفْسِهِ لَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَى مُدَّعِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَيَحْلِفُ مُدَّعِي النِّصْفِ فَإِذَا حَلَفَ تَرَكَ الدَّارَ فِي أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ نَكَلَ قَضَى لَهُ.

.(مَسْأَلَةٌ):

دَارٌ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمْ يَدَّعِي جَمِيعَهَا وَالثَّانِي ثُلُثَيْهَا وَالثَّالِثُ نِصْفَهَا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَتَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ سِتَّةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنَّا نُسَمِّي مُدَّعِيَ الْكُلِّ الْكَامِلَ وَمُدَّعِيَ الثُّلُثَيْنِ اللَّيْثَ وَمُدَّعِيَ النِّصْفَ النَّصْرَ فَتُجْعَلُ الدَّارُ عَلَى سِتَّةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثَيْنِ وَالنِّصْفِ فَيَكُونُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ عَلَى مَا فِي يَدِ نَصْرٍ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَاللَّيْثُ يَدَّعِي نِصْفَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: حَقِّي الثُّلُثَانِ وَبِيَدِي الثُّلُثُ بَقِيَ لِي الثُّلُثُ نِصْفُهُ فِي يَدِ الْكَامِلِ وَنِصْفُهُ فِي يَدِ نَصْرٍ.
وَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ فَالنِّصْفُ لِلْكَامِلِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ مُنْكَسِرٌ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَنَصْرٍ عَلَى مَا فِي يَدِ اللَّيْثِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: حَقِّي النِّصْفُ سِتَّةٌ مَعِي مِنْهُ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ بَقِيَ السُّدُسُ سَهْمَانِ سَهْمٌ فِي يَدِ اللَّيْثِ وَسَهْمٌ فِي يَدِ الْكَامِلِ فَسَلِمَ ثَلَاثَةٌ لِلْكَامِلِ وَتَنَازَعَا فِي سَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ يَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيَجْعَلُ فِي يَدِ كُلٍّ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةً ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي يَدِ نَصْرٍ فَأَرْبَعَةٌ سَلِمَتْ لِلْكَامِلِ بِلَا مُنَازَعَةٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ لَا يَدَّعِي إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ الْكُلِّ بِثَمَانِيَةٍ مِنْهَا فِي يَدِهِ وَأَرْبَعَةٍ فِي يَدِ نَصْرٍ وَأَرْبَعَةٍ فِي يَدِ الْكَامِلِ فَبَقِيَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأُخْرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُنَازَعَةِ فَيَحْصُلُ لِلْكَامِلِ سِتَّةٌ وَلِلَّيْثِ سَهْمَانِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَنَصْرٍ عَلَى مَا فِي يَدِ اللَّيْثِ فَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ سَهْمَيْنِ فَالسِّتَّةُ سَلِمَتْ لِلْكَامِلِ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي سَهْمَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ فَحَصَلَ لِلْكَامِلِ سَبْعَةٌ وَلِنَصْرٍ سَهْمٌ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى اللَّيْثِ وَنَصْرٍ عَلَى مَا فِي يَدِ الْكَامِلِ فَاللَّيْثُ يَدَّعِي نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَرْبَعَةً وَنَصْرٌ يَدَّعِي لِأَرْبَعٍ مَا فِي يَدِهِ سَهْمَيْنِ وَفِي الْمَالِ سِعَةٌ فَأَخَذَ اللَّيْثُ أَرْبَعَةً وَنَصْرٌ سَهْمَيْنِ وَيَبْقَى لِلْكَامِلِ سَهْمَانِ.
فَإِذَا حَصَلَ لِلْكَامِلِ مِمَّا فِي يَدِ نَصْرٍ سِتَّةٌ وَمِمَّا فِي يَدِ اللَّيْثِ سَبْعَةٌ وَمَعَهُ سَهْمَانِ صَارَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الدَّارِ وَحَصَلَ لِلَّيْثِ مِنْ نَصْرٍ سَهْمَانِ وَمِنْ الْكَامِلِ أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَهُوَ رُبُعُ الدَّارِ وَحَصَلَ لِنَصْرٍ مِنْ اللَّيْثِ سَهْمٌ وَمِنْ الْكَامِلِ سَهْمَانِ فَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ ثُمُنُ الدَّارِ وَبِالِاخْتِصَارِ تَكُونُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَخَمْسَةُ أَثْمَانِهَا لِلْكَامِلِ وَرُبُعُهَا لِلَّيْثِ وَثُمُنُهَا لِنَصْرٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَقْسِيمُ الدَّارِ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَتَصِحُّ مِنْ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا وَوَجْهُهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ عَلَى نَصْرٍ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَاللَّيْثُ نِصْفَهُ وَأَقَلُّ مَالٍ لَهُ نِصْفُ اثْنَانِ فَالْكَامِلُ يَضْرِبُ بِكُلِّهِ سَهْمَيْنِ وَاللَّيْثُ بِنِصْفِ سَهْمٍ وَعَالَتْ إلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَنَصْرٍ عَلَى اللَّيْثِ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَهُ وَمَخْرَجُ الرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ يَضْرِبُ هَذَا بِرُبُعِهِ وَهَذَا بِكُلِّهِ فَعَالَتْ إلَى خَمْسَةٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى اللَّيْثِ وَنَصْرٍ عَلَى الْكَامِلِ فَاللَّيْثُ يَدَّعِي نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَهُ وَذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَيَجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَفِيهِ سَبْعَةٌ فَنِصْفُهُ سَهْمَانِ لِلَّيْثِ وَرُبُعُهُ سَهْمٌ لِنَصْرٍ يَبْقَى الرُّبُعُ لِلْكَامِلِ فَحَصَلَ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَكُلُّهَا مُتَبَايِنَةٌ فَاضْرِبْ الثَّلَاثَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ فِي الْخَمْسَةِ يَكُونُ سِتِّينَ وَالدَّارُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْ السِّتِّينَ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ مِائَةً وَثَمَانِينَ يَكُونُ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتُّونَ فَمَا فِي يَدِ نَصْرٍ ثُلُثُهُ لِلَّيْثِ عِشْرُونَ وَثُلُثَاهُ لِلْكَامِلِ أَرْبَعُونَ وَاَلَّذِي فِي يَدِ اللَّيْثِ خُمُسُهُ لِنَصْرٍ وَهُوَ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْكَامِلِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ.
وَاَلَّذِي فِي يَدِ الْكَامِلِ نِصْفُهُ لِلَّيْثِ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ وَرُبُعُهُ لِنَصْرٍ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَبْقَى فِي يَدِهِ الرُّبُعُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلَّيْثِ خَمْسُونَ مَرَّةً عِشْرُونَ وَمَرَّةً ثَلَاثُونَ وَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِنَصْرٍ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مَرَّةً اثْنَا عَشَرَ وَمَرَّةً خَمْسَةَ عَشَرَ وَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلْكَامِلِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ مَرَّةً أَرْبَعُونَ وَمَرَّةً ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَبَقِيَ مَا فِي يَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ سَبْعَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ اثْنَانِ وَوَجْهُهُ أَنَّك تَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثَانِ وَنِصْفٌ وَأَقَلُّهُ سِتَّةٌ فَاللَّيْثُ يَدَّعِي أَرْبَعَةً وَنَصْرٌ يَدَّعِي ثَلَاثَةً وَلَا مُنَازَعَةَ لَهُمَا فِي الْبَاقِي وَذَلِكَ سَهْمَانِ فَهُمَا لِلْكَامِلِ وَنَصْرٌ لَا يَدَّعِي إلَّا ثَلَاثَةٌ فَخَلَا عَنْ مُنَازَعَتِهِ سَهْمٌ اسْتَوَتْ فِيهِ مُنَازَعَةُ الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ فَيَكُونُ سَهْمٌ بَيْنَهُمَا فَانْكَسَرَ فَضَرَبْنَا اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ فَاللَّيْثُ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَنَصْرٌ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعَةٌ سَلِمَتْ لِلْكَامِلِ وَسَهْمَانِ بَيْنَ اللَّيْثِ وَالْكَامِلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ وَتَبْقَى سِتَّةٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِيهَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ فَأَصَابَ الْكَامِلُ سَبْعَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَرَّةً أَرْبَعَةٌ وَمَرَّةً سَهْمٌ وَمَرَّةً سَهْمَانِ وَأَصَابَ اللَّيْثُ ثَلَاثَةً مَرَّةً سَهْمَانِ وَمَرَّةً سَهْمٌ وَأَصَابَ النَّصْرُ سَهْمَانِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ لِلْكَامِلِ سِتَّةٌ وَلِلَّيْثِ أَرْبَعَةٌ وَلِنَصْرٍ ثَلَاثَةٌ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكَامِلَ يَضْرِبُ بِالْكُلِّ وَهُوَ سِتَّةٌ لِأَنَّ الدَّارَ قُسِّمَتْ عَلَى سِتَّةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثَيْنِ وَالنِّصْفِ فَاللَّيْثُ يَضْرِبُ بِأَرْبَعَةٍ وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَالنَّصْرُ بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَالْكَامِلُ يَضْرِبُ بِسِتَّةٍ فَصَارَ الْجَمِيعُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا أَلْفًا فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا أَصَابَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْكَامِلِ سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ أَلْفٍ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَطَرِيقُهُ أَنْ تُقَسَّمَ الْأَلْفُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ يَخْرُجُ الْقِسْمُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ فَاضْرِبْ ذَلِكَ فِي سَبْعَةِ نَصْرٍ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ وَإِنْ شِئْت قُلْت: سَبْعَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ نِصْفُهَا وَنِصْفُ سُدُسِهَا فَخُذْ تِلْكَ النِّسْبَةَ مِنْ الْأَلْفِ تَجِدْهُ كَذَلِكَ وَعَلَى اللَّيْثِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَوَجْهُهُ أَنَّك تَضْرِبُ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا وَهِيَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الْقِسْمِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَصِحُّ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَإِنْ شِئْت قُلْت: بِيَدِهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهِيَ رُبُعُهَا فَخُذْ تِلْكَ النِّسْبَةَ مِنْ الْأَلْفِ وَعَلَى نَصْرٍ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَوَجْهُهُ أَنْ تَضْرِبَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ بِيَدِهِ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٍ وَإِنْ شِئْت قُلْت: بِيَدِهِ سُدُسُ اثْنَيْ عَشَرَ فَخُذْ مِنْ الْأَلْفِ سُدُسَهَا تَجِدْهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا اقْسِمْ الْأَلْفَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَصِحُّ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ وَاثْنَا عَشَرَ جُزْءًا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَضْرِبُ سِهَامَ الْكَامِلِ وَالنَّصْرِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَى الْكَامِلِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَوَاحِدٌ وَسِتُّونَ وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ وَعَلَى نَصْرٍ نِصْفُهُ مِائَتَانِ وَثَلَاثُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَكَذَلِكَ تَضْرِبُ سِهَامَ اللَّيْثِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا يَكُونُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَذَكَرَا تَارِيخًا وَسِنُّ الدَّابَّةِ يُوَافِقُ أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى) لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَأَمَّا إذَا كَانَ سِنُّهَا يُخَالِفُ الْوَقْتَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ وَتُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّوْقِيتُ وَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا إذَا ادَّعَيَاهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَحْكُومًا بِهَا وَلَيْسَ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَتَسَاوَيَا فِيهَا فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِبَيِّنَتِهِ وَمَعَهُ الْيَدُ فَهُوَ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَظْهَرُ وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفَهُ فَالرَّاكِبُ فِي السَّرْجِ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَالِكَ الدَّابَّةِ يَرْكَبُ عَلَى السَّرْجِ وَيُرْدِفُ غَيْرَهُ مَعَهُ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ وَأَمَّا إذَا كَانَا جَمِيعًا رَاكِبَيْنِ عَلَى السَّرْجِ فَهُمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا تَنَازَعَا بَعِيرًا وَعَلَيْهِ حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى) وَكَذَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ كَوْرٌ مُعَلَّقٌ فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَنَازَعَا قَمِيصًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَصَرُّفًا وَلَوْ تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقُعُودَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ وَكَذَا إذَا كَانَ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ فَهُمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُ بِهَا وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ مُثْبِتَ الزِّيَادَةِ مُدَّعٍ وَنَافِيَهَا مُنْكِرٌ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ: لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ وَقِيلَ: لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ قَوْلُهُ (يَبْتَدِئُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ قَوْلُهُ (فَإِذَا حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا طَلَبَا ذَلِكَ أَمَّا بِدُونِ الطَّلَبِ فَلَا يَفْسَخُ قَوْلُهُ (فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ يُجْعَلُ بَاذِلًا فَلَمْ تَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضَةً دَعْوَى الْآخَرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ تَعَارُضَ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الْعَقْدُ مِنْهُ وَالْخِيَارُ مِثْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ افْتَرَقَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ فِي الْحَالَيْنِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَا وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِيَدِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ) مَعْنَاهُ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ قَوْلُهُ (مَعَ يَمِينِهِ) يَعْنِي إذَا طَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ سَلِمَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا قَالَ الْبَائِعُ قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ) أَيْ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ) فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي الْحَيِّ وَقِيمَةِ الْهَالِكِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) ثُمَّ إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا مَعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: بِأَلْفَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَبَيِّنَةُ الزَّوْجِ تَنْفِي ذَلِكَ فَالْمُثْبِتَةُ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ) يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ قَضَى بِمَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ) أَيْ مَعَ يَمِينِهَا أَيْضًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلُّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ قِيمَةُ الْبُضْعِ وَإِنَّمَا سَقَطَ ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لَهُ رَجَعَ إلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَنْكَرِ قِيلَ: هُوَ أَنْ يَدَّعِيَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرٌ فِي الشَّرْعِ وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده: هُوَ أَنْ يَدَّعِيَ مَهْرًا لَا يَتَزَوَّجُ مِثْلُهَا عَلَيْهِ عَادَةً كَمَا لَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُسْتَنْكَرُ مَا دُونَ نِصْفِ الْمَهْرِ فَإِذَا جَاوَزَ نِصْفَ الْمَهْرِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَرًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) مَعْنَاهُ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ أَوْ فِي الْمُبْدَلِ فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوَ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَمْ يَتَحَالَفَا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِيهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَيَصِيرُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِذَا لَمْ يَتَحَالَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ) ثُمَّ تُفْسَخُ الْكِتَابَةُ قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ) كَالْعِمَامَةِ وَالْخُفِّ وَالْكُتُبِ وَالْقَوْسِ وَالْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ قَوْلُهُ (وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ) كَالْوِقَايَةِ وَالْخَلْخَالِ وَالدُّمْلُجِ وَالْخَرَزِ وَثِيَابِ الْحَرِيرِ قَوْلُهُ (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ) كَالسَّرِيرِ وَالْحَصِيرِ وَالْآنِيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّجُلَ يَتَوَلَّى آلَةَ الْبَيْتِ وَيَشْتَرِيَهَا فَكَانَ أَظْهَرَ يَدًا مِنْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهَا) لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْفَعُ لِلْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ مِنْ بَيْتِ أَهْلِهَا ثُمَّ فِيمَا عَدَاهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ لِظَاهِرِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ يَدَهُ أَقْوَى وَلِلْحَيِّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ زَوْجَانِ مَأْذُونٌ وَحُرٌّ خُصَمَا وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ قَدْ تَكَلَّمَا فَذَاكَ لِلْحُرِّ وَقَالَا لَهُمَا قَوْلُهُ (وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ.
وَقَالَ زُفَرُ: دَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ أَنَّهُ عَبْدٌ فَكَانَ فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا وَلَنَا أَنَّ اتِّصَالَ الْعَلُوقِ بِمِلْكِهِ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَةُ أُسْنِدَتْ إلَى وَقْتِ الْعَلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَوْ بَعْدَهُ فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعَلُوقِ وَهَذِهِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعَلُوقِ فِي مِلْكِهِ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعَلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ وَلَا حَقُّهُ وَهَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ادَّعَاهُ قَبْلَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُمْكِنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَالْأَمَةُ فِي مِلْكِهِ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ أَقَرَّ بِمُمْكِنٍ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا مَعَ الْحَبَلِ فَإِذَا ادَّعَاهُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ قُبِلَ مِنْهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَعْنَى لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الْبَائِعِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ هُنَا دَعْوَةُ مِلْكٍ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْعَلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِذَا كَانَتْ دَعْوَةُ مِلْكٍ فَدَعْوَةُ الْمِلْكِ كَعَتَاقٍ مُوَقَّعٍ وَعِتْقُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ دَعْوَتُهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ: وَإِذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ وَبَطَلَ الْمَبِيعُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْأُمُّ أُمُّ وَلَدٍ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّصْدِيقِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمَّا ثَبَتَ مِنْ الْبَائِع بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي زَالَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَتُهُ فِي إزَالَةِ نَسَبٍ ثَابِتٍ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَتْبَعُهُ اسْتِيلَادُ الْأُمِّ قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ فِي الْوَلَدِ وَأَخَذَهُ الْبَائِعُ وَيَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ) أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْأُمَّ تُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ: أُمُّ الْوَلَدِ وَتَسْتَفِيدُ هِيَ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا وَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى وَأَمَّا رَدُّ الثَّمَنِ كُلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ أُمُّ وَلَدٍ وَمَنْ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلِذَلِكَ يَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَعِنْدَهُمْ تَكُونُ مَضْمُونَةً لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا فَيَرُدُّ مِنْ الثَّمَنِ مِقْدَارَ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَيُعْتَبَرُ الْقِيمَتَانِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَتِهِمَا فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْأُمِّ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَرُدُّهُ هَذَا إذَا مَاتَتْ أَمَّا إذَا قَتَلَهَا رَجُلٌ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَالْحَمْلُ الْوَاحِدُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ وَأَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ فَادَّعَى الْمَوْلَى الْوَلَدَ الْبَاقِيَ فِي يَدِهِ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِي الْجَمِيعِ وَفُسِخَ الْبَيْعُ وَكَانَتْ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كِتَابُ الشَّهَادَاتِ.
الشَّهَادَةُ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّوَثُّقِ صِيَانَةً لِلدُّيُونِ وَالْعُقُودِ عَنْ الْجُحُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَالشَّهَادَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِصِحَّةِ الشَّيْءِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ فَعَلَى هَذَا هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ وَقِيلَ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشُّهُودِ وَهُوَ الْحُضُورُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْقَاضِي لِلْأَدَاءِ فَسُمِّيَ الْحَاضِرُ شَاهِدًا وَأَدَاؤُهُ شَهَادَةً وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ الشَّهَادَةُ لَهَا شُرُوطٌ وَسَبَبٌ وَرُكْنٌ وَحُكْمٌ فَسَبَبُهَا طَلَبُ الْمُدَّعِي مِنْ الشَّاهِدِ أَدَاءَهَا وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْأَهْلِيَّةُ وَرُكْنُهَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا تَقْتَضِيهِ الشَّهَادَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الشَّهَادَةُ فَرْضٌ) يَعْنِي أَدَاؤُهَا وَهَذَا إذَا تَحَمَّلَهَا وَالْتَزَمَ حُكْمَهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَمَّلْهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّحَمُّلِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِلْوُجُوبِ فَهُوَ كَمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُثْبِتَ شَهَادَتَهُ أَوْ يَشْهَدَ عَلَى عَقْدٍ فَأَبَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ يَجِدُ غَيْرَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ.
قَوْلُهُ: (يَلْزَمُ الشُّهُودَ أَدَاؤُهَا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فَرْضٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَسَعُهُمْ كِتْمَانُهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فَإِنَّا نَرْجُو أَنْ يَسَعَهُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ فِي الصَّكِّ جَمَاعَةٌ سِوَاهُ مِمَّا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَأَجَابُوهُ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْ كَانُوا وَلَكِنْ مِمَّنْ لَا يَظْهَرُ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ كَانَ يَظْهَرُ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ أَسْرَعُ قَبُولًا لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ لَهُ شُهُودٌ كَثِيرٌ فَدَعَا بَعْضَهُمْ لِلْأَدَاءِ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لَوْ دُعِيَ لِلْأَدَاءِ وَالْقَاضِي مِمَّنْ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّاهِدِ لَا أَرَى لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ شَهِدَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ خَلْفُ بْنُ أَيُّوبَ: لَوْ رُفِعَتْ الْخُصُومَةُ إلَى قَاضٍ غَيْرِ عَدْلٍ فَلَهُ أَنْ يَكْتُمَ الشَّهَادَةَ حَتَّى يَرْفَعَهَا إلَى قَاضٍ عَدْلٍ وَكَذَا إذَا خَافَ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَسِعَهُ الِامْتِنَاعُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى بَاطِلٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ أَخَذَ سُوقَ النَّحَّاسِينَ مُقَاطَعَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَدُعِيَ إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَدَاءُ حَتَّى قَالُوا: لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ اسْتَوْجَبَ اللَّعْنَةَ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ عِنْدَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَرَفَ الشَّاهِدُ أَنْ سَبَبَهُ مِنْ وَجْهٍ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا.
قَوْلُهُ: (إذَا طَالَبَهُمْ الْمُدَّعِي) هَذَا بَيَانُ وَقْتِ الْفَرْضِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ) هَذَا إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً أَمَّا إذَا كَانُوا أَقَلَّ فَالسَّتْرُ وَاجِبٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ قَذْفًا وَإِنَّمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِيهَا لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ فَإِنْ سَتَرَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ أَظْهَرَ فَقَدْ أَظْهَرَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ خُيِّرَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَلِأَنَّ الْإِظْهَارَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَالسَّتْرُ تَرْكُ كَشْفِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُشْهِدَ بِالْمَالِ فِي السَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَسَعُهُ كِتْمَانُهُ.
قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ: أَخَذَ وَلَا يَقُولُ: سَرَقَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَخَذَ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَوْلُهُ سَرَقَ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَقَدْ نُدِبَ إلَى السَّتْرِ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلِأَنَّ فِي قَوْلِهِ أَخَذَ إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: سَرَقَ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَالضَّمَانُ لَا يُجَامِعُ الْقَطْعَ فَلَا يَحْصُلُ فِي قَوْلِهِ سَرَقَ إحْيَاءُ حَقِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى اللِّوَاطِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ التَّعْزِيرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا وَأَمَّا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ وَالنِّسَاءُ شَهَادَتُهُنَّ شُبْهَةٌ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَهِيَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ يَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَلَا يَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ» وَقَدْ قَالُوا: إنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ تُقْبَلُ فِي الْإِحْصَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُقْبَلُ إلَّا الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ النِّسَاءٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ.
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي السَّرِقَةِ تُقْبَلُ فِيهَا فِي حَقِّ الْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ إلَّا رَجُلَانِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ هَهُنَا الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ قَالَ:
أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَصِيَّةَ لَكَانَ مَالًا.
قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) إلَّا أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَحْوَطُ وَقَوْلُهُ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْعَيْبَ بِالْجَارِيَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَيْضًا وَأَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ عَلَى اسْتِهْلَالِ الْمَوْلُودِ فَلَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ وَأَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَمَقْبُولَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ بِدَلِيلِ أَنَّ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا وَيُشَاهِدَ إرْضَاعَهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ حَتَّى اخْتَصَّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَشُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ فِي لَفْظِهَا زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْكَذِبِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَشَدَّ وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ: فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ وَلَا يَكُونُ مُصِرًّا عَلَى الصَّغَائِرِ وَيَكُونُ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: الْعَدْلُ مَنْ لَمْ يُطْعَنْ عَلَيْهِ فِي بَطْنٍ وَلَا فَرْجٍ أَيْ لَا يُقَالُ: إنَّهُ يَأْكُلُ الرِّبَا وَالْمَغْصُوبَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ زَانٍ فَإِنَّ مَوْضِعَ الطَّعْنِ الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَلَهُمَا تَوَابِعُ فَإِذَا سَلِمَ عَنْهُمَا وَعَنْ تَوَابِعِهِمَا كَانَ عَدْلًا وَالْكَذِبُ مِنْ جُمْلَةِ الطَّعْنِ فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّاهِدُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ: أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ يَكُنْ شَاهِدًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ الشَّهَادَةَ بِقَوْلِهِ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ}.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ) يَعْنِي لَا يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ».
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ) لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيَشْتَرِطُ الِاسْتِقْصَاءَ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ سَأَلَ عَنْهُمْ) وَكَذَا إذَا وَقَعَ لِلْقَاضِي فِي شَهَادَتِهِمْ الشَّكُّ وَالِارْتِيَابُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَلَا تَزُولُ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَسَائِرِ الْحَوَادِثِ سَوَاءٌ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ أَوْ لَمْ يَطْعَنْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَيْفِيَّةُ السُّؤَالِ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ الْمُزَكِّي وَيَسْأَلَ عَنْ جِيرَانِهِمْ وَأَصْدِقَائِهِمْ وَيُرْسِلُ بِالْكِتَابِ إلَيْهِمْ فَيَكْتُبُ الْمُزَكُّونَ الْعَيْنَ تَحْتَ اسْمِ الْعَدْلِ وَلَا يَكْتُبُونَ الْفَاءَ تَحْتَ اسْمِ الْفَاسِقِ صِيَانَةً لِعِرْضِ الْمُسْلِمِ.
وَفِي النِّهَايَةِ تَزْكِيَةُ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَى الْمُزَكِّي وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ أَسْمَاءُ الشُّهُودِ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ وَيَكُونُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَدْلًا لَهُ خِبْرَةٌ بِالنَّاسِ وَلَا يَكُونُ مُنْزَوِيًا غَيْرَ مُخَالِطٍ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُمْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَرُدُّ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْجَوَابَ فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا تَحْتَ اسْمِهِ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السَّتْرِ أَوْ يَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَيُخْدَعُ الْمُعَدِّلُ أَوْ يَتَهَدَّدُ أَوْ يُسْتَمَالُ بِالْمَالِ.
وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي تَزْكِيَةٍ فِي الْعَلَانِيَةِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُعَدِّلِ: هَذَا الَّذِي عَدَّلْته فِي السِّرِّ فَإِنْ قَالَ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: نَعَمْ قُضِيَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَقِيلَ: صِفَةُ التَّزْكِيَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ: إنَّهُ عَدْلٌ مَرْضِيُّ الْقَوْلِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: هُوَ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَشَهَادَتُهُ لَا تَجُوزُ وَقِيلَ: يَكْفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقُولُ فِي تَعْدِيلِهِ: مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا وَلَوْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ عَدَّلَهُ وَزَكَّاهُ وَالتَّزْكِيَةُ كَانَتْ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ عَلَانِيَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي السِّرِّ تَزْكِيَةٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا صُلَحَاءَ وَكَانَ الْمُعَدِّلُ لَا يَخَافُ الْأَذِيَّةَ مِنْ الشُّهُودِ إذَا جَرَّحَهُمْ وَفِي زَمَانِنَا تُرِكَتْ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ وَاكْتُفِيَ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَالْأَذِيَّةِ لِأَنَّ الشُّهُودَ يُؤْذُونَ الْجَارِحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا رَأَى الْمُزَكِّي رَجُلًا حَافِظًا لِلْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ رِيبَةً قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ فَجَاءَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَعَدَّلَاهُ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَتَعْدِيلُ الْوَاحِدِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ يَعْنِي إذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ وَاحِدًا وَالْمُتَرْجِمُ عَنْ الشُّهُودِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ كَمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَالَةُ وَهُمَا يَقُولَانِ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا تَزْكِيَةَ مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ وَعَلَى هَذَا فَتَزْكِيَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا تَعْدِيلُ الْأَعْمَى وَالْمَمْلُوكِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَوْ رَآهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) وَأَمَّا إذَا سَمِعَ الْحَاكِمَ يَقُولُ: حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ) هَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّرِيحِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الْبَيْعِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ شَهِدَ عَلَى الْبَيْعِ جَازَ وَفِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ لَا يُقْبَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي) لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَوْ سَمِعَهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ.
وَلَوْ فَسَّرَهُ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الرَّجُلِ وَلَا يَرَاهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَكًّا بِحَقٍّ وَقَالَ لِقَوْمٍ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّكِّ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّجَمُّلِ وَلَمْ يُوجَدْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يُلْزِمْهُ الْحَاكِمُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْطَعْ بِشَهَادَتِهِ حَقًّا فَإِذَا صَحَّ هَذَا قُلْنَا مَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَمَّا لَوْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَّلَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُحَمِّلْهُ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِرَجُلٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ: فَاشْهَدْ بِمَا شَهِدْت بِهِ أَوْ اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا شَهِدْت بِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ بِالشَّهَادَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّحْمِيلِ وَهَذَا الْمَأْمُورُ لَمْ يُعَايِنْ إقْرَارَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا أَشْهَدَهُ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِنَابَةٌ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِ وَإِشْهَادٌ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ) لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ بِيَقِينٍ وَهَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ لِأَنَّ مَا فِي قِمْطَرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الصَّغِيرِ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ شَيْءٌ بِأَنْ كَانَ مَخْبُوءًا عِنْدَهُ أَوْ عَلِمَ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسَعُهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ قَالَ فِي التَّقْوِيمِ قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) وَكَذَا قَضَاؤُهُ لَا يَجُوزُ ثُمَّ شَهَادَتُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ تَحَمَّلَهَا وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ أَدَّاهَا وَهُوَ أَعْمَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُ فِي حَالِ الْأَدَاءِ إلَّا مُعَايَنَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا صَحَّ تَحَمُّلُهُ جَازَ أَدَاؤُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بَصِيرٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَمَنَعَ الْأَدَاءَ كَالْجُنُونِ وَلِأَنَّ حَالَةَ الْأَدَاءِ آكَدُ مِنْ حَالَةِ التَّحَمُّلِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّحَمُّلَ يَصِحُّ فِي حَالٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْأَدَاءُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَإِنَّ تَحَمُّلَهُ صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَمْنَعَ الْأَدَاءَ وَالثَّانِي إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا عِنْدَنَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا بَقَاءُ الشُّهُودِ عَلَى حَالِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ حَتَّى إذَا ارْتَدُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ خَرِسُوا أَوْ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَذَا إذَا عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ بَطَلَتْ يَعْنِي فِي الْمَالِ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي الرَّجْمِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا غَابَتْ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ لِفَوَاتِ الْبُدَاءَةِ بِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ الرَّجْمُ أَيْضًا بِمَوْتِهِمْ وَلَا بِغَيْبَتِهِمْ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا.
وَقَالَ زُفَرُ: تُقْبَلُ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةَ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْمَوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةُ كَمَا يَقَعُ لِلْبَصِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ لَا يَلِي عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} فَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ تَحْتَ هَذَا لِأَنَّ عَلَيْهِ خِدْمَةَ مَوْلَاهُ يَمْتَنِعُ بِهَا عَنْ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ الْحُدُودِ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ الْفِسْقُ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ مَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي إبْطَالِهَا إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعَهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَ الْحَدِّ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلَّ لَا تَسْقُطُ وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ قَدْ حَدَثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا فَتَمَامُ حَدِّهِ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَابَ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُ الْحَدِّ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَهَا هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَبِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ « أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ) لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ بِالْوِلَادَةِ وَالْمَنَافِعُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِمْ التُّهْمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلٌ عَادَةً فَيَكُونُ مُتَّهَمًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ مِنْ وَجْهٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى.
قَوْلُهُ: (وَلَا لِمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْمُكَاتَبُ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَكَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يُعَدُّ ضَرَرُ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِ فَإِنْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ لِلشَّاهِدِ مَغْنَمًا أَوْ دَفَعَتْ عَنْهُ مَغْرَمًا لَا تُقْبَلُ وَشَهَادَةُ الشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تَجْلِبُ لَهُ مَغْنَمًا فَتَجُورُ وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ وَدِيعَةً فَجَاءَهُ مُدَّعٍ فَادَّعَاهَا فَشَهِدَ لَهُ الْمُودَعَانِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا دَفَعَا بِهَا مَغْرَمًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُرْتَهِنَانِ بِالرَّهْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ الرَّاهِنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَفْعٌ بَلْ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّهِمَا مِنْ الْوَثِيقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَيْنًا عَلَى اثْنَيْنِ فَادَّعَى مُدَّعٍ تِلْكَ الْعَيْنَ فَشَهِدَا بِهَا لَهُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا مَغْرَمًا وَهُوَ إبْطَالُ الثَّمَنِ عَنْهُمَا فَهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهٍ) لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِيَ مُتَحَيِّزَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَبَسُّطٌ فِي مَالِ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُخَنَّثٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ رَدِيءَ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ أَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ وَلَمْ يَفْعَلْ الْفَوَاحِشَ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا نَائِحَةٍ) يَعْنِي الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَشَهَادَتُهَا مَقْبُولَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خَيْرَ فِي النَّائِحَةِ لِأَنَّهَا تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَتَنْهَى عَنْ الصَّبْرِ وَتَبْكِي شَجْوَ غَيْرِهَا وَتَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى دَمْعِهَا وَتُحْزِنُ الْحَيَّ وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مُغَنِّيَةٍ) لِأَنَّهَا مُرْتَكِبَةٌ حَرَامًا فَإِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ».
قَوْلُهُ: (وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) يَعْنِي شُرْبَ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَمَّا الْخَمْرُ فَشُرْبُهَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ لَهْوٍ وَالْإِدْمَانُ الْمُدَاوَمَةُ وَالْمُلَازَمَةُ أَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهَا وَإِنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ فَأَمَّا مَنْ يُتَّهَمُ بِالشُّرْبِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَدَالَةِ قَبْلَ ظُهُورِ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَذَا مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ الْفُجُورِ وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ) وَهُوَ الْمُغَنِّي وَكَذَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ وَالْحَمَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ غَفْلَةً وَقَدْ يَقِفُ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِصُعُودِ سَطْحِهِ إذَا أَرَادَ تَطْيِيرَ الْحَمَامِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُهَا وَلَا يُطَيِّرُهَا وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا بِقِمَارٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) لَا يُقَالُ فِي هَذَا تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُغَنِّيَةَ قُلْنَا: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا عَامٌّ أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي التَّغَنِّي مُطْلَقًا وَهَذَا فِي التَّغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَ بِالتَّغَنِّي لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُغَنِّي لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ يُغَنِّي لِنَفْسِهِ أَحْيَانَا لِإِزَالَةِ الْوَحْشَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى بَيْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَمِعَ عُمَرَ يَتَرَنَّمُ فِي بَيْتِهِ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ عُمَرُ خَجَلًا فَقَالَ لَهُ: أَسَمِعْتنِي يَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ لَهُ: إنَّا إذَا خَلَوْنَا قُلْنَا مَا يَقُولُ النَّاسُ أَتَدْرِي مَا كُنْت أَقُولُ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ إنِّي قُلْت لَمْ يَبْقَ مِنْ شَرَفِ الْعُلَا إلَّا التَّعَرُّضُ لِلْحُتُوفِ فَلَأَرْمِيَنَّ بِمُهْجَتِي بَيْنَ الْأَسِنَّةِ وَالسُّيُوفِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ) أَيْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهَا وَالْكَبِيرَةُ مَا كَانَتْ حَرَامًا مَحْضًا شُرِعَ عَلَيْهَا عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ بِنَصٍّ قَاطِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْقَتْلُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تِسْعٌ وَلَعَلَّهُ زَادَ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْإِيَاسَ مِنْ رُوحِ اللَّهِ أَوْ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزِّنَا وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هُنَّ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَقِيلَ: هُنَّ سَبْعَ عَشْرَةَ أَرْبَعٌ فِي الْقَلْبِ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَأَرْبَعٌ فِي اللِّسَانِ التَّلَفُّظُ بِالْكُفْرِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَثَلَاثٌ فِي الْبَطْنِ أَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَاثْنَانِ فِي الْفَرْجِ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَاثْنَانِ فِي الْيَدِ الْقَتْلُ وَالسَّرِقَةُ وَوَاحِدَةٌ فِي الرِّجْلِ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَوَاحِدَةٌ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَمِنْ الْكَبَائِرِ السِّحْرُ وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَطْعُ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَسَبُّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْخِيَانَةُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَخْذُ الرِّشْوَةِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَامْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنْ زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ وَالْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ بِغَيْرِ اضْطِرَارٍ وَالْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالْغَيْبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالنِّيَاحَةُ وَالْحَسَدُ وَالْكِبْرُ وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقَتْلُ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ وَالْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَتَحْقِيرُ الْمُسْلِمِينَ وَالظِّهَارُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُلُّ ذَنْبٍ أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَالصَّغَائِرُ النَّظَرُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ وَاللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَهِجْرَانُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْعَبَثُ فِي الصَّلَاةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْكَلَامُ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالتَّغَوُّطُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَمُسَافَرَةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَالنَّجْشُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَتَلَقِّي الْجِلْدِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَالِاحْتِكَارُ وَبَيْعُ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ وَالصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالسُّكُوتُ عِنْدَ سَمَاعِ الْغَيْبَةِ وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ) لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ مُسْتَقْبَحٌ بَيْنَ النَّاسِ وَكَذَا مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِسِرْوَالٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا آكِلِ الرِّبَا) لِأَنَّهُ مُتَأَكِّدُ التَّحْرِيمِ وَشُرِطَ فِي الْأَصْلِ الشُّهْرَةُ فِي أَكْلِ الرِّبَا وَكَذَا أَكْلُ مَنْ اشْتَهَرَ بِأَكْلِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الْمُقَامِرِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ) بِشَرْطِ الْقِمَارِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ أَمَّا الْقِمَارُ فَحَرَامٌ وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ وَفِي شَرْحِهِ مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ وَلَا ذِكْرِ فَاحِشَةٍ وَلَا تَرْكِ صَلَاةٍ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا أَوْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَأَمَّا اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَسَائِرِ مَا يَلْعَبُ بِهِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ بِخِلَافِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا) (مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَقْبَحَةَ) كَالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِي عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَا مَنْ يَأْكُلُ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَمَّا إذَا شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ أَكَلَ الْفُولَ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا تَسْتَقْبِحُ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّخَّاسِ وَهُوَ الدَّلَّالُ إلَّا إذَا كَانَ عَدْلًا لَا يَكْذِبُ وَلَا يَحْلِفُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ الصَّالِحِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ تَارِكِ الْجُمُعَةِ رَغْبَةً عَنْهَا لِأَنَّ تَارِكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَاسِقٌ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اشْتَهَرَ بِتَرْكِ زَكَاةِ مَالِهٍ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ الْفَاحِشِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ بِهِ وَإِنَّمَا اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَالْخَيْرُ فِيهِ أَغْلَبُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَيُرْوَى أَنَّ وَزِيرَ هَارُونَ الرَّشِيدِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: مَا مَنَعَك مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا قَالَ: سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لَك فِي مَجْلِسِك أَنَا عَبْدُك فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَشَهَادَةُ الْعَبْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَالْكَذِبُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ لَهُ يَعْتَقِدُونَ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ نُسِبُوا إلَى ابْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ وَقَدْ قَتَلَهُ الْأَمِيرُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ) إذَا كَانُوا عُدُولًا فِي دِينِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ) وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ إذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَأُعْطُوا الذِّمَّةَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ) يَعْنِي بِالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنَ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى هَذَا الْإِرْثُ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ وَيَمْنَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُحِقٌّ فِي عَدَاوَتِهِ لِلذِّمِّيِّ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَالذِّمِّيُّ مُبْطِلٌ فِي عَدَاوَتِهِ لِلْمُسْلِمِ فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ) هَذَا هُوَ حَدُّ الْعَدَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَقِّي الْكَبَائِرِ كُلِّهَا وَبَعْدَ تَوَقِّيهَا يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَمَنْ كَثُرَتْ مَعَاصِيهِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَمَنْ نَدَرَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ اجْتِنَابِ الْكُلِّ سَدَّ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ دُونِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَا يَخْلُو مِنْ ارْتِكَابِ خَطِيئَةٍ فَلَوْ وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ أَصْلًا لَتَعَذَّرَ وُجُودُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَسُومِحَ فِي ذَلِكَ وَاعْتُبِرَ الْأَغْلَبُ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ يَعْنِي الصَّغَائِرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِلشُّبْهَةِ الْوَارِدَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا تَرَكَ الِاخْتِتَانَ مِنْ عُذْرٍ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ وَاسْتِهَانَةً بِالسُّنَّةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا قَوْلُهُ (وَوَلَدِ الزِّنَا) يَعْنِي إذَا كَانَ عَدْلًا لِأَنَّ فِسْقَ الْوَالِدَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الزِّنَا لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ كَمِثْلِهِ فَيُتَّهَمُ قُلْنَا: الْعَدْلُ لَا يُحِبُّ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدْلِ.
قَوْلُهُ: (وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى جَائِزَةٌ) الْمُرَادُ الْمُشْكِلُ وَحُكْمُهُ فِي الشَّهَادَةِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى قُبِلَتْ وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِكُرِّ حِنْطَةٍ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ أَنْ تُطَابِقَ الدَّعْوَى فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ.
قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ اتَّفَقَ الْمَعْنَى.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْبَلُ بِالْأَلْفِ) لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْأَلْفَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ أَمَّا إذَا ادَّعَى أَلْفًا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى هَذَا: الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ فَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِطَلْقَةٍ وَوَاحِدٌ بِطَلْقَتَيْنِ وَشَاهِدٌ بِثَلَاثٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ يَقَعُ ثِنْتَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّ الْأُولَى اتَّفَقُوا فِيهَا جَمِيعًا وَالِاثْنَيْنِ اتَّفَقَ فِيهِمَا شَاهِدُهُمَا وَشَاهِدُ الثَّلَاثِ فَصَارُوا ثَلَاثًا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ فَالْأَلْفُ جُمْلَةٌ وَالْخَمْسُمِائَةِ جُمْلَةٌ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِ الْجُمْلَتَيْنِ مَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي لَهَا فَثَبَتَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِيهَا فَلَا تُقْبَلُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي إنَّمَا ادَّعَى أَلْفًا لَا غَيْرَ لَمْ تُقْبَلْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الَّذِي شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَالنِّصْفُ وَالْمِائَةُ وَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ عَطْفٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ دَعْوَى فِي مَالٍ كَالْقَرْضِ وَنَحْوِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى دَعْوَى عَقْدٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ وَقَالَ آخَرُ: قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِأَلْفٍ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) أَنَّهُ قَضَاهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ فَرْدٍ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ شَهَادَتُهُ أَنَّهُ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِأَلْفٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ) كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا لَهُ عَلَى الظُّلْمِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي يَجِبُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ زَيْدًا قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْبَلْ الشَّهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ وَالْفِعْلُ لَا يُعَادُ وَلَا يُكَرَّرُ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَأَقَامَ الْوَرَثَةُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قُتِلَ بِمَكَّةَ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ أَوْ فِي مَكَانَيْنِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ وَالْأَقْوَالُ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ فَتُقْبَلُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الثَّوْبَ أَمْسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ الْيَوْمَ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمْسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ الْيَوْمَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَوْلُ وَالْأَقْوَالُ يَجُوزُ أَنْ تُعَادَ وَتُكَرَّرَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ ثُبُوتِهِ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ وَقَعَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَإِنَّمَا شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جُرْحٍ وَلَا نَفْيٍ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) وَهُوَ أَنْ يُجَرِّحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ فَيَقُولُ إنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ شُهُودِ الْمُدَّعِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ وَقَوْلُهُ وَلَا نَفْي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ النَّفْيُ مَقْرُونًا بِالْإِثْبَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى أَنَّهُ يُسَلِّمُ إلَيْهِ كُلَّ الْمَالِ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشُّرُوطِ فِي النَّفْيِ مَسْمُوعَةٌ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذَا الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ ضَحَّى بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَالتَّضْحِيَةُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَقُ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ قُلْنَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تُسْمَعَ وَلَكِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَأَمَّا إذَا حَكَمَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنْ عَدَّلَ الشَّاهِدَ وَجَرَّحَهُ آخَرُ فَسَأَلَ الْقَاضِي آخَرَ فَإِنْ عَدَّلَهُ قَضَى بِذَلِكَ وَإِنْ جَرَّحَهُ اثْنَانِ لَا يُقْضَى بِهِ وَإِنْ عَدَّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَلْفٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُمْ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَقِيلَ: فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ إمَّا رَجُلٌ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَلَا يُفَسِّرُهَا أَمَّا إذَا فَسَّرَهَا لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ: أَنَا أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَصَرَ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُحِ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا وَهَذَا يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ وَالْوَقْفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَمَرِّ الْعُصُورِ وَالدُّهُورِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ المرغيناني: لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ.
قَوْلُهُ: (وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ فَلَا تَثْبُتُ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ شَاهِدَانِ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ وَاحِدٍ وَصُورَتُهُ شَاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ ثُمَّ إنَّهُمَا بِعَيْنِهِمَا شَهِدَا أَيْضًا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ وُجِدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ شَاهِدَانِ وَعَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ شَاهِدَانِ غَيْرُهُمَا وَيَجُوزُ عِنْدَنَا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ جَمِيعًا يَشْهَدَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ ثَبَتَتْ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ) إنَّمَا يَقُولُ: وَأَشْهَدَنِي إذَا كَانَ الْمُقِرُّ أَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ سَمِعَهُ وَلَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَقَرَّ عِنْدِي وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي التَّحْمِيلِ: اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ كَفَى وَإِنْ قَالَ فَاشْهَدْ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ أَوْ كَمَا شَهِدْت أَوْ عَلَى مَا شَهِدْت لَا يَصِحُّ حَتَّى يَقُولَ: فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ جَازَ) وَأَمَّا قَوْلُهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَةِ الْأَصْلِ وَالنَّاقِلِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ شَاهِدُ هَذَا الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَلَفْظِ التَّحْمِيلِ وَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ شُهُودِ الْأَصْلِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ فَسَقَا أَوْ عَمِيَا أَوْ خَرِسَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَوْ يَمْرَضُوا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ كَالْبَدَلِ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْبَدَلُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ بِدَلَالَةِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودُ الْأَصْلِ شُهُودَ الْفَرْعِ جَازَ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَرْعَ هُمْ الْمُزَكُّونَ لِلْأُصُولِ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَقْلَهُمْ لِشَهَادَتِهِمْ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ تَعْدِيلِهِمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْدِيلِهِمْ وَتَعْدِيلِ غَيْرِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ تَصْحِيحُ شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّ تَصْحِيحَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لَا تُؤَثِّرُ فِي شَهَادَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ وَالْعَدَالَةَ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ تَعْدِيلُهُ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ جَازَ وَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِمْ) لِأَنَّ التَّعْدِيلَ لَا يَلْزَمُهُمْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ عَدَالَتُهُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ تُعَدِّلْ شُهُودُ الْفَرْعِ شُهُودَ الْأَصْلِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا فِيهِمْ لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلْ ثُمَّ إنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا شَهِدُوا وَهُمْ عُدُولٌ وَسَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِ أُصُولِهِمْ سَأَلَ الْحَاكِمُ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ فَإِنْ عَدَّلُوا حُكِمَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَاكِمُ بِحَالِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ سَأَلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ فِي السِّرِّ وَزَكَّاهُمْ فِي الْعَلَانِيَةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَإِذَا كَانَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مَحْبُوسًا فِي الْمِصْرِ فَأَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي هَلْ يُحْكَمُ بِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُ زَمَانِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي سِجْنِ هَذَا الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ سِجْنِهِ حَتَّى يَشْهَدَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى السِّجْنِ وَإِنْ كَانَ فِي سِجْنِ الْوَالِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِخْرَاجُ لِلشَّهَادَةِ يَجُوزُ وَقَوْلُهُ وَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِمْ يَعْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَعْدِيلِ الشَّاهِدِ قَبْلَ طَعْنِ الْخَصْمِ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: يُقْبَلُ الْوَاحِدُ فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيَثْبُتُ بِالرِّسَالَةِ وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ خَصْمٍ وَلَا يَفْتَقِرُ تَعْدِيلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا إلَى أَرْبَعَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَالْخِلَافُ فِي تَعْدِيلِ السِّرِّ أَمَّا تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا: يُشْتَرَطُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي التُّرْجُمَانِ إذَا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمِ عَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِيهِ عِنْدَهُمَا قَوْلُ الْوَاحِدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهَا فِي غَيْرِ الْعُقُوبَاتِ أَمَّا فِي الْعُقُوبَةِ فَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ التَّزْكِيَةَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ هِيَ الشَّهَادَةُ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ التَّزْكِيَةُ وَيَقُولُ الْمُزَكِّي: هُوَ عَدْلٌ رِضًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ وَلِي لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: هُوَ عَدْلٌ رِضًا فَهُوَ عَدْلٌ عَلَيْهِ وَلَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا احْتَاجَ الْمُدَّعِي إلَى إخْرَاجِ الشُّهُودِ إلَى مَوْضِعِ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ دَوَابَّ لِلرُّكُوبِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ أَكَلُوا مِنْ طَعَامِهِ فِي الطَّرِيقِ قُبِلَتْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.
وَقَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى: لَا بَأْسَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ لِلشَّاهِدِ دَابَّةً إذَا كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ مَا يَسْتَكْرُونَ بِهِ دَابَّةً فَهُوَ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ) بِأَنْ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ شَهَادَةٌ وَغَابُوا أَوْ مَاتُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَوْ قَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ شَرْطٌ.